لماذا نرسل البشر إلى الفضاء؟

ربما تسمع الرأي القائل بأن البشر ليس بهم حاجة في الفضاء الخارجي. وذلك لأن كل المهام يمكن أن تنفذها روبوتات بكفاءة، وهي أرخص وأكثر أماناً.
ولكن هذه الرؤية تنظر إلى الموضوع من زاوية واحدة فقط بدرجة كبيرة. فالأتمتة حلت محل الإنسان بنجاح في مجالات كبيرة في استكشاف الفضاء بالطبع.
وفي نفس الوقت، هناك مجموعة من المهات التي لا يمكن أن تنفذ دون مشاركة الإنسان فيها. واليوم سنتحدث عنها، وسنجيب عن السؤال: لماذا نرسل البشر إلى الفضاء؟

إصلاح جهاز في مداره

أخذ مجال إصلاح الأجهزة ضمن مدارها في الفضاء خطوات واسعة نحو الأمام في السنوات الأخيرة.
نعم كما تسمع، فنحن نرى اليوم بأم أعيننا أن عمليات القطر الفضائية، وخدمات إعادة التزويد بالوقود، والتخلص من الأقمار الاصطناعية قد أصبحت واقعاً. وجميعها بالطبع تشترك بأنها لا تحتاج إلى وجود الإنسان.

إصلاح هابل
مهمة لإصلاح تلسكوب هابل. حقوق الصورة: NASA

وعلى أي حال، إذا تحدثنا عن إجراءات الصيانة الأكثر تعقيداً في المدار، فهي كما قلنا لا يمكن تنفيذها دون مشاركة البشر.
ويمكننا أن نذكر مثالاً على ذلك مرصد هابل المداري. فبفضل مهمات إصلاح عديدة ما زال يعمل حتى اليوم، ويستمر في استكشاف غرائب الكون.
أما التلسكوب الصيني الجديد، والذي سيطلق خلال أعوام قليلة، صمم أيضاً بحيث يخضع لعمليات صيانة دورية يقوم بها رواد الفضاء الصينيون.

وذات الشيء ينطبق على عمليات الإصلاح الدورية التي تحدث لمحطة الفضاء الدولية.
بالإضافة إلى بناء وصيانة المحطات المدارية اللاحقة والمستعمرات الفضائية.
وفي النهاية، قد يكون هناك الكثير من الأتمتة، ولكن الإجراءات المعقدة والموثوق بها تبقى امتيازاً محصوراً بالإنسان لفترة طويلة قادمة.

عدد الأشخاص الذين أرسلوا إلى الفضاء. حقوق الإنفوغراف: universemagazine.com

إجراء التجارب

من المهمات الأخرى الهامة التي يقوم بها البشر في الفضاء إجراء التجارب العلمية.
نعم، مع أن معظم هذه التجارب لا تتطلب وجود الإنسان، ولكن يستحيل إجراء العديد من الدراسات العلمية في محطة الفضاء الدولية دون تدخل الإنسان بسبب تعقيدها. وهي بحاجة إلى باحثين مؤهلين لمراقبتها، ويتمكنوا من تحليل النتائج، وأن يقوموا بالإصلاحات الضرورية بشكل مستقل عند الضرورة.

تجربة زراعة نباتات في محطة الفضاء الدولية. حقوق االصورة: NASA

علاوة على ذلك، إن وجود البشر أنفسهم في الفضاء تجربة كبيرة بحد ذاتها.
حيث يدرس الأطباء بعناية كيف يتأثر جسم الإنسان بانعدام الوزن وزيادة التعرض للإشعاع وغيرها من عوامل الرحلات الفضائية.
وهذه البيانات في الواقع أساسية لتنظيم المهمات المأهولة إلى الفضاء العميق، ولبناء مستعمرات فضائية دائمة.

البحث عن حياة في الكواكب الأخرى

إن البحث عن إجابة للسؤال فيما إذا وجدت الحياة أبداً على أجرام أخرى في النظام الشمسي أصبح ضالة منشودة للعلم الحديث. وهذه هي المهمة الأساسية لمعظم المهمات التي تستكشف الكوكب الأحمر اليوم.

الناس على المريخ كما تصورها الفنان. حقوق الصورة: planetary.org

ولكن، ليس كل شيء بسيطاً جداً. فمع أن المركبات الجوالة، كمركبة بيرسيفرانس مثلاً، قطع هندسية فنية بكل تأكيد، إلا أن قدرتها على تعقب آثار الحياة محدودة جداً.
وحتى مع أن العينات التي جمعتها سترسل إلى الأرض بمهمة خاصة، فمن المستبعد أن تزودنا نتائج تحليلاتها بجواب واضح. ففي نهاية المطاف، نحن نتحدث عن عينات جمعت من منطقة واحدة فقط من سطح الكوكب الأحمر.
وهنا يأتي دور العامل البشري في المعادلة. فمهما يبدو الأمر تافهاً، يمكن لأي جيولوجي محترف في الواقع أن يجمع في يوم واحد باستخدام مطرقة عينات أكثر إثارة بكثير مما قد تجمعه بيرسيفرانس خلال مهمتها الممتدة لعدة سنوات.
لذلك، سنحظى على الأرجح بإجابات قاطعة عن وجود حياة على المريخ فقط عندما يحط باحثون رفقة معدات مناسبة على سطح الكوكب الأحمر.

بناء وطن بديل

ليست الحاجة للناس في الفضاء من أجل تنظيم التجارب والبحث عن حياة فضائية فحسب. إنما هناك حاجة لهم من أجل بناء وطن بديل.
فنحن لن نحظى بكوكب مثل كوكب الأرض بالطبع، ويجب على البشرية أن تبذل أقصى ما في وسعها للحفاظ عليه. ولكن لسوء الحظ، فإن الكثير من أبناء جنسنا لا يظهرون الرغبة لفعل ذلك.
ولو وضعنا دافع الإنسان إلى تدمير ذاته جانباً، فهناك عوامل أخرى تهدد كوكبنا، منها الكويكبات والشهب وانفجارات البراكين الهائلة وغيرها.
مستعمرة بشرية على المريخ. حقوق الصورة: SpaceX
فإذا أرادت البشرية ألّا تنقرض، يجب أن يكون لديها خطة بديلة. وقد تكون إنشاء مستعمرة مكتفية ذاتياً على القمر أو على المريخ.
وفي حالة وقوع أي كارثة، ستكون قارب نجاة ستستمح للجنس البشري بأن ينجو، ويعيد بناء كوكبنا في المستقبل.
وإذا تحدثنا عن رؤية أكثر بعداً، فلا بد أن نتذكر حلم البشرية الذي يبلغ من عمره قروناً

مستعمرة بشرية على المريخ. حقوق الصورة: SpaceX

فنحن نعلم بأن معظم النجوم تملك كواكباً. ولا بد أن يكون بينها بالتأكيد عوالم تملك ظروفاً مناسبة لإقامة مستعمرات فضائية. وعلينا أن نجد طريقة للوصول إلى هناك فحسب.

مصدر للإلهام

وأخيراً، يجب أن لا نتجاهل سبباً مهماً آخر عن سبب حاجتنا للذهاب إلى الفضاء الخارجي. ونعني بذلك الإلهام تحديداً.
فرحلة غاغارين وخطوة نيل آرمسترونغ أصبحتا حدثاً على مستوى الكوكب؛ ألهم جيلاً بالكامل بدون مبالغة.
زيادة على ذلك، لا يتعلق الأمر فقط بمن حلموا بأن يصبحوا رواد فضاء، بل بشريحة أكبر من الناس من المهتمين بالعلم عموماً والفضاء وهندسة الصواريخ.

طبعة قدم ألدرين على القمر. حقوق الصورة: NASA

ولسوء الحظ، لم يحدث خلال نصف قرن تقريباً أحداث فضائية تماثل في مستواها ورمزيتها رحلة أبولو ١١.
ولكن بالطبع تنتظرنا مثل هذه المهمات في المستقبل. سواء بعودة البشر إلى القمر، أو الخطوة الأولى للإنسان على المريخ.
ولا شك أن ذلك سيغدو مصدر إلهام لجيل جديد من الباحثين الذين سيقررون ربط حياة كل منهم بالفضاء.

ملخص المقال

ربما تسمع بأن البشر ليس بهم حاجة في الفضاء الخارجي. وذلك لأن كل المهام يمكن أن تنفذها روبوتات بكفاءة، وهي أرخص وأكثر أماناً، فلماذا نرسل البشر إلى الفضاء؟
ولكن علينا ألّا ننسى أن هناك مجموعة من المهات التي لا يمكن أن تنفذ دون مشاركة الإنسان فيها.
يتحدث هذا المقال عنها، ويذكر الأسباب الداعية إلى وجود البشر، وهي:

  • إصلاح جهاز في مداره
  • إجراء التجارب
  • البحث عن حياة في الكواكب الأخرى
  • بناء وطن بديل
  • مصدر للإلهام

المصدر

يونيفرس ماجازين