مدارات الكواكب قد تحمل رسائل لنا من حضارات أخرى
هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ لا على الأرجح. يبدو أن هناك احتمال كبير بأننا لسنا المخلوقات الوحيدة التي تطورت منذ بداية الكون. وقد تكون الأجسام الطائرة المجهولة مجرد دليل على ذلك. ولكن لا يمكننا الجزم نظراً لأن الظاهرة لم تدرس بما فيه الكفاية.
واليوم، ما زالت تلسكوباتنا موجهة إلى السماء، ومازلنا نستكشف رحابة هذا الفضاء بتلسكوبات مميزة، كتلسكوب هابل وويب. ننظر إلى مجرات بعيدة، ونجوم بعيدة وعوالم غريبة، وكل ذلك في محاولة لإيجاد أحد هناك. وفي اليوم الذي نحقق ذلك سيتغير كل شيء بالنسبة لنا. ولكن كيف سنحققه؟
هل يكفي أن ندرس المجرات والأنظمة النجمية؟ أو البحث عن العناصر الكيميائية في أغلفتها الجوية، التي يمكن أن تدل على بصمة حيوية؟
وفقاً لمجموعة من الباحثين، يمكننا بالفعل دراسة الكواكب، ولكن ليس فقط أغلفتها الجوية، إنما كيفية دورانها حول نجومها.
كيف يمكن للفضائيين أن يحركوا كواكب نظام شمسي بكاملها؟
يمكن لحضارة فضائية متقدمة أن تعيد تنظيم موضع ستة أو سبعة كواكب، إلى سلسلة من المدارات المنظمة بدقة. وذلك ليكون كإشارة أو لافتة تدل على وجودها. وعندها، لا تحتاج إلا تفكيراً رياضياً لرصدها.
في الواقع، يدور عدد من الأجرام في مدارات متزامنة حول الأجرام المركزية التابعة لها. فعلى سبيل المثال، تتزامن مدارات أقمار المشتري الثلاثة، جيناميد ويوروبا وآيو. فحين يكمل جيناميد دورة واحدة حول المشتري، يكمل يوروبا دورتين، وآيو يكمل أربعة دورات. فتكون نسبة التزامن ١:٢:٤. ويحدث مثل هذا التزامن بين مجموعة كاملة من الكواكب، توجد في النظام الكوكبي كي ٢-١٣٨ بعيداً في الفضاء.
يقول ماثيو كليمينت وزملاؤه من مؤسسة كارنيجيه:
يمكن لحضارة فضائية تملك ما يكفي من القدرة والحافز، أن تنظم مجموعات شمسية كاملة في مدارات متزامنة بنسب معقدة. وهذا لن يكون عملاً فنياً فحسب، بل سيساعدهم أيضاً في إرسال الرسائل إلى الباحثين البعيدين، مثلنا على الأرض. وذلك دون أن يستخدموا إشارات لاسلكية أو أنظمة إرشاد ليزري.
ما التزامن أو الرنين المداري؟
وقد تسأل ما التزامن المداري، أو كما يسمى الرنين المداري؟ الإجابة: يكون جرمان في حالة تزامن أو رنين مداري إذا كان دورانهما حول مركز فلكي، مثل الشمس، يقابل نسبة من أعداد صحيحة. أي عندما يكمل الجرم الأول دورة واحدة مثلاً، يكون الثاني قد أكمل دورتين أو ثلاثة أو أكثر بنفس الوقت.
يشير كليمينت وزملاؤه، الذين أجروا محاكاة لأنظمة شمسية ذات مجموعات تزامن مداري متنوعة، بأن هذا الأمر ممكن نظرياً. من بينها ماكان نسبة تزامنه أعداداً صحيحة حتى العدد ١١، بالإضافة إلى سلسلتين من الأرقام تدعيان متتالية عدد ممركز مضلع، و متتالية فيبوناتشي.
وقد بقيت الأنظمة الشمسية في عمليات المحاكاة مستقرة لعشرة مليارات عام. وهذا ينسجم مع عمر النظام الشمسي.
ويذكر أنه من الشائع للكواكب والأقمار أن تدور في مدارات متزامنة بشكل طبيعي، مثل التزامن ٤:٢:١ بين أقرب أقمار المشتري إليه. أو نسب تزامن أكثر تعقيداً تربط بين أجرام المجموعة التي تدور حول النجم تيرابيست-١.
وهناك على أية حال بعض النسب أكثر شيوعاً من غيرها. ويميل الفيزيائيون تحديداً إلى النسب مثل ٤:٣ و ٣:٢ و ٢:١، التي يشار إليها علماء الفلك باسم تزامن من الدرجة الأولى، لأن الفرق بينها ١.
أما التزامن من درجات أعلى فهو على كل الأحوال، أقل شيوعاً في الطبيعة، كالنسب ٧:١ أو ١٣:١. فقد تكون إشارات واضحة إلى تدخل شيء ذكي إذا تطابقت نسب هذه المدارات مع متتاليات فيبوناتشي. والتي سيميزها محبو الرياضيات في كامل المجرة.
تغيير مدار الكواكب
لعل السؤال الأهم: لو كنا حضارة فضائية متقدمة، ما الذي نحتاجه لو أردنا إعادة تنظيم مدارات الكواكب في نظامنا النجمي؟
يفترض كليمنت وزملاؤه في دراستهم استخدام شيء بحجم الكويكب، وذلك بمدارات الكواكب القريبة، عن طريق تطبيق دفع بواسطة الجاذبية.
وهذا يحدث بالفعل، فهناك ثقة تقريباً بأن الكواكب العملاقة في النظام الشمسي تحركت تحركاً هاماً بعد تشكلها. وذلك بسبب الاقتراب المتكرر من حطام وغيره منها.
وفكرة القيام بذات الأمر قصداً ليست خيالية. فقد جرت نقاشات حول توجيه كويكب إلى مدار أقرب، وذلك عن طريق دفعات جاذبية باستخدام جسم أصغر. ويذكر أن مركباتنا الفضائية ترسل إلى مدارات أبعد باستخدام ذات المبدأ.
لن يحدث هذا قريباً
قد يستغرق تحريك جسم بحجم كوكب تلك المسافة الضرورية ملايين الأعوام. وهذه مدة طويلة بالنسبة لنا، ولكن لو كنا حضارة متقدمة قد نفكر بمقياس ملايين الأعوام. حيث أن حضارة فضائية متقدمة تقنياً قد تستخدم الدفع أو الدسر لتحريك مدار كوكب. فأي حضارة يمكنها استغلال معظم طاقة نجمها أو كلها، يمكنها أن تقوم بهذه المهمة خلال عامين أرضيين.
وهناك عاملان أساسيان يحددان إذا كان بإمكاننا إيجاد حضارة فضائية نفترض وجودها: أولهما قدرتنا على رصد إشاراتها، وثانيهما أن توجد هذه الحضارات في الوقت المناسب لاكتشافها. ولعل الحل لمشكلة كلا العاملين قد يكمن في التكوين المداري للكواكب المترافقة.
وفي الحقيقة يمكن ترميز مدة مدارات الكواكب إذا أردت إنشاء نظام ينقل رسالة دائمة تنبئ بوجودك.
أما المنصات والمركبات الصنعية التي تحمل الرسائل، قد لا يطول بقاؤها بقدر أنظمة الكواكب تلك طبعاً. وبالتالي تستطيع الحضارات بث رسائل عن وجودها لفترة محدودة عن طريق هذه المنصات. وهذا لا ينفي وجود بعض التقنيات التي قد تبقى عمراً أطول من مخترعيها، والإشارات التي بثت إلى الفضاء ستبقى طويلاً بعد رحيلنا بالطبع
على أي حال، مع كون عمره ١٣.٨ مليار عام، حتى البقايا التي يبلغ عمرها الافتراضي عدة ملايين من السنين، يمكنها أن تتزامن ووتقاطع مع برامج البحث عن الحضارات الذكية على كواكب أخرى.
وإذا كانت الكواكب موضوع النقاش بعيدة بما يكفي عن نجومها لكي تنجو بآخر طور من حياتها، فإن لافتة بحجم نظام شمسي ستنجو على الأقل لعشرة مليارات سنة.
ولكوننا قادرين على بناء تلسكوبات ولسنا قادرين على تحريك كواكب بأسرها، فإن الرسائل المضمنة بمدارات الكواكب قد تكون أيضاً من أسهل الإشارات لنا لرصدها نحن البشر. وهذا لأن الكواكب الخارجية يمكن أن تقاس بسهولة عن طريق قياس المدة التي تستغرقها للدوران حول نجومها.
إذاً، فأي نظام نجمي يتبع متتالية فيبوناتشي، قد يكون لافتة مثالية من الفضائيين، مهما بدت بعيدة المنال.
ملخص المقال
إن احتمال وجودنا وحدنا في هذا الكون ضئيل. ويمكن لحضارة متقدمة أن تبعث لنا رسائل عن وجودها باستخدام التزامن المداري. ويشير باحثون إلى أن الأنر ممكن نظرياً، وممكن عملياً لحضارات متقدمة تستطيع تحريك الكواكب. وذلك لتحقيق تزامن بنسب معينة، يرمز لرسالة ما. وهذه الرسائل خلافاً لتقنياتنا، ستبقى مليرات السنين. وقد نتممن من رصدها بسهولة في المستقبل.