مقياس كارداشيف: تصنيف الحضارات الفضائية

يبنى مقياس كارداشيف على كمية الطاقة التي يمكن أن تستغلها حضارة ما.

مقياس كارداشيف
مقياس كارداشيف يصنف الحضارات الفضائية

ما الذي يمكن أن نجده: رجال خضر أو ميكروبات؟
وكيف قد نجدهم: بالموجات الراديوية أو مواد كيميائية غريبة في غلاف الكوكب الجوي؟ شيء لم يفكر به أحد حتى الآن؟

فكر العلماء عبر العقود باحتمالية وجود حياة خارج حدود الأرض، وتأملوا في شكل هذا الحياة، وكيف يمكن أن نحدد هذه الحياة من هذا البعد، وإذا كانت الاتصالات بين هذين العالمين ممكنة.

ومن ضمن ما فكروا به تطوير أنظمة تصنيف نملأ فراغاتها بالفضائيين. وأحد هذه الأنظمة يسمى مقياس كارداشيف، الذي سمي بهذا الاسم تيمناً بعالم الفضاء السوفيتي الذي طرح المقياس عام ١٩٦٤. ويقيم هذا المقياس الحضارات الفضائية بناء على كمية الطاقة التي يمكن أن تستثمرها هذه الحضارة.

ما هو مقياس كارداشيف؟

مقياس كارداشيف هو نظام تصنيفي للحضارات الذكية الفضائية المفترضة. ويشمل المقياس ثلاثة فئات بناء على كمية الطاقة التي يمكن أن تستثمرها الحضارات.

ويصف كارداشيف المستوى الأول من هذه الحضارات باعتبارها «مستوى تكنلوجي قريب من المستوى الذي وصلنا إليه هنا على الأرض». والمستوى الثاني هو «أن تكون الحضارة قادرة على استغلال الطاقة التي يصدرها نجمها». أما المستوى الثالث فهو «أن تستطيع الحضارة حصد الطاقة على مستوى مجرتها».

وكل مستوى أو فئة تتضمن حدوداً عددية للطاقة التي تشملها، وليست هذه الحدود عشوائية.
يقول فالانتين إيفانوف وهو عالم فضاء في المرصد الأوربي الجنوبي، وانطلق من عمل كارداشيف: استخدم أشياءً يسهل تصورها، وأنا أميل للقول بأنها كانت فكرة بارعة قدمها للعامة، أي تلك المقارنات التي يستخدمها ليسهل للناس فهم الأمر.

نشر مقياس كارداشيف المؤلف من خمسة أوراق عام ١٩٦٤ باسم «نقل الحضارات الخارجية للمعلومات».

ومع أن المقياس أسر مخيلات الناس، فإن ما نشره يركز على حساب القوة اللازمة للإشارة الضوئية من أي نقطة من الكون حتى يرصدها علماء أشعة الراديو اليوم. وهذه القيمة هي أيضاً حد عددي لاستخدام الطاقة للحضارة من المستوى الثاني.

من هو كارداشيف؟

نيكولاي كارداشيف عالم فضاء سوفيتي توفي عام ٢٠١٩، وقد عاصر رواد البحث عن الحضارات الذكية كفرانك دراك الذي نشر معادلته الشهيرة قبل كارداشيف بثلاث سنوات، وفيليب موريسون، وفريمان دايسون الذي فكر بالطرق التي تتجاوز بها الحضارات الفضائية حدود كوكبها.

طور كارداشيف إضافة إلى المقياس تقنية تسمى قياس التداخل مديد القاعدة (VLBI). وهي تستعمل شبكة عالمية من أطباق الراديو لتكون كتلسكوب راديوي واحد بحجم الأرض. وربما أشهر مثال هو استخدام تلسكوب أفق الحدث لهذه الشبكة لرصد الثقوب السوداء. ومن بينها إنتاج أول صورة لثقب أسود نشرت عام ٢٠١٩.

كما اقترح كارداشيف أيضاً دعم الشبكة الأرضية من المراصد، بشبكة من المراصد في الفضاء. وذلك لزيادة قدرتها الرصدية. وأيد أن تقوم مهمة راديو أسترون الروسية التي انطلقت عام ٢٠١١ بهذا النوع من العمل فقط.

أين يقع البشر على مقياس كارداشيف؟

إذا عملنا ضمن الفئات القاعدية فقط، فالبشر يصنفون ضمن المستوى الأول من الحضارة على مقياس كارداشيف. أما الحضارة التي تملك كرة دايسون فعالة وتجمع ضوء نجمها بها، فتصنف ضمن المستوى الثاني. ويقول بعض العلماء، بما أن البشر لم يستثمروا ما يعادل طاقة الأرض كلها، لذلك يجب تصنيف البشر على المقياس برتبة ٠.٧.

كيف يرتبط مقياس كارداشيف بالبحث عن الحضارات الذكية؟

تشابه العلماء ومفكروا الخيال العلمي بالرجوع إلى مقياس كارداشيف عبر العقود، كما مدحوه وانتقدوه كلاهما.
من إحدى فوائد مقياس كارداشيف أنه يركز على قابلية رصد الحضارات من البشر، أكثر من تركيزها على تطوراتها التكنلوجية على سبيل المثال. فالعديد منها قد يأتي بأشكال لا يمكن لعلماء الفضاء رصدها.

كما وصف المقياس ببساطة شديدة أيضاً، حيث يأخذ بعين الاعتبار سمة واحدة فقط، ومن ناحية أخرى فئاته قليلة وواسعة فحسب.
وقد قال كارل ساغان بأن فئات مقياس كارداشيف عامة جداً فيما يخص استهلاك الطاقة، واقترح تقسيمها إلى فئات أصغر: ١.١، ١.٢ وهكذا.

كما أن تركيز مقياس كارداشيف على النمو غير المحدود مقياساً للتقدم أصبح أيضاً صعب الاستيعاب. بالنسبة لعلماء الفضاء، كلما زادت الطاقة، فهذا يعني أن الحضارة أكثر تقدماً. وعلى مدى العقود، ومع بدء البشر في اختبار الفوضى العالمية نتيجة استغلال الوقود الأحفوري، فإن أخطار جعل فكرة النهم المستمر للطاقة مثالياً أصبح واضحاً.

كما تتحدث أوراق كارداشيف أيضاً عن الجهد الأساسي للبحث عن الحياة خارج الأرض: هل الأعلى قيمة هو البحث عن بصمات بيولوجية، أي التغيرات التي تحدث للكوكب والتي يمكن أن تنتجها الحياة فقط من مستوى المكروبات وحتى مستوى خراف البحر؟ أو البحث عن بصمات تكنلوجية، أي إشارات كموجات الراديو التي لا تعتمد على الحياة فحسب، ولكن حياة ذكية ذات مهارات في تقنيات يمكن ملاحظتها؟ وهناك جدال دائر في أيهما أهم حتى الآن.

ولكن في حين يركز عمل كارداشيف بشكل خاص على البصمات التقنية، إلا أنه يقر بالبصمات الحيوية. كما يشير إلى أن كل بحث يمكن أن يعطي معلومات للآخر. فمثلاً مجرد اكتشاف أبسط عضوية حية على المريخ، سيزيد احتمالية أن توجد الكثير من الحضارات من المستوى الثاني في المجرة. وعمليات البحث الراديوية ستؤدي دوراً مهماً في هذا.

إرث مقياس كارداشيف

مع كل ما ذكر، كان المحور الحقيقي للورقة التي ضمت مقياس كارداشيف تعبيراً أوسع عن البحث عن حضارات ذكية. فغالباً ما ينسى بأن ما فعله كان أن يقدر الاحتمالية التقنية للاتصالات بين النجمية. أما التصنيف الذي رافقها فقد كان تقريباً فكرة تالية للورقة.

ويقول كارداشيف في خاتمة الورقة بأنه حتى لو لم تصمد حساباته، إلا أن الواقع المحتمل للاتصالات بين النجمية يجب أن يصمد.
ولا بد من القول أن التقديرات حتى الآن غير نهائية، ولكنها تشهد بأنه إذا لم تكن الحضارة على الأرض ظاهرة فريدة في الكون، فإن احتمال إقامة اتصال مع حضارات أخرى بوساطة فيزياء الراديو الحالية أمر واقعي تماماً.

وبعد ٥٠ عاماً من نشر ورقة كارداشيف، يقول أحد الباحثين أن مقياس كارداشيف عني به أن يقدم دليلاً تطبيقياً لما يمكن توقعه في مسار عمليات البحث عن حضارات ذكية، وليس نظرة علمية عميقة في طبيعة الذكاء الفضائي.
وحتى مع استقصاء العلماء لمقياس كارداشيف، يبقى هذا المقياس أحد وجوه العمل على البحث عن الحضارات الذكية، واسمه سوف يبقى.

ملخص المقال

مقياس كارداشيف يقوم على تصنيف الحضارات الفضائية. وذلك بناء على كمية الطاقة التي يمكن أن تستغلها حضارة ما.

فالحضارات الأرضية تقع في المستوى الأدنى، أما الحضارات التي تستغل طاقة نجمها باستعمال كرة دايسون مثلاً، فتصنف في المستوى الثاني. أما الحضارات التي تستغل طاقة مجرتها كلها فتقع في المستوى الثالث.

ويقدم المقياس في الواقع دليلاً تطبيقياً في البحث عن الحضارات الفضائية، لا نظرة علمية عميقة في ذلك. ويبق أحد وجوه العمل على البحث عن الحضارات الذكية، واسمه سوف يبقى.

المصدر

هنا