هل يمكن أن تدعم كواكب نظام نجمي ثنائي الحياة؟

أدى بحثنا عن كواكب تدور حول النجوم في مجرتنا إلى اكتشاف أكثر من ٥ آلاف منها. وبعض هذه الكواكب الخارجية تشبه الأرض من حيث ظروف سطحها التي تناسب وجود الماء اللازم للحياة التي نعرفها.

ومع أن التلسكوبات الرائدة -كتلسكوب جيمس ويب- تهدف إلى دراسة الأغلفة الجوية لمثل هذه الكواكب، وذلك لفحص مناسبتها لاستضافة الحياة، إلا أن بحثنا عن عوالم قابلة للحياة ما زال محدوداً.

والنجوم المفردة كشمسنا ليست القاعدة الثابتة في المجرة. فنصف نجوم درب التبانة تقريباً أنظمة نجمية ثنائية. وعدد آخر أنظمة ثلاثية وأكثر. ولعل هذا يدفع السؤال التالي إلى السطح: هل يمكن أن تدعم كواكب نظام نجمي ثنائي المماثلة لحجم الأرض الحياة؟

هناك بعض التحفظات على هذه الفكرة بالطبع. وذلك لسبب وحيد، ذلك بأنها تفترض بأن الطريقة التي تشكلت بها كواكب نظامنا الشمسي تنطبق على الكواكب حول نظام نجمي ثنائي. وتشير الأبحاث الكثيرة إلى أن الكواكب المماثلة لحجم الأرض ربما تعرضت لفترات قاسية حتى مع تكونها في نظام نجمي ثنائي مضطرب.

هل تدعم كواكب نظام نجمي ثنائي الحياة
شمسان: صورة توضيحية للكوكب TOI 1338 b يبرز بين شمسيه. حقوق الصورة: NASA GSFC / Chris Smith

لغز النشوء

يعتقد أن الكواكب الأولية المماثلة لحجم القمر التي نشأت في نظامنا الشمسي، قد نشأت خلال مليون عام. وذلك من تصادم بطيء لجزيئات الغبار في قرص المواد الذي يدور حول الشمس الوليدة.

ومئات من هذه الكواكب راحت تصطدم وتندمج في النظام الشمسي الداخلي لما يقارب ١٠٠ مليون عام، إلى أن بقى ٤ كواكب: عطارد والزهرة والأرض والمريخ.

ولكن هذا الاندماج التراكمي على مقياس كبير قد لا ينفع مع الكواكب التابعة لنظام نجمي ثنائي. فنشوؤها صعب في المقام الأول.

وذلك لأن وجود جاذبية لنجم آخر بالكامل تجعل جزيئات مواد القرص تدور بسرعات أعلى. وعلى هذا تحطم إحداها الأخرى عند الاصطدام بدلاً من أن تلتصق ببعضها بهدوء. ويعتقد العلماء بناء على النمذجات أن الكواكب الوليدة التي يبلغ قطرها مئات الكيلومترات عندما تتكون، يرجح أن تسبب سرعاتها العالية تحطيم بعضها البعض عند الاصطدام.

ولكننا وجدنا بالفعل كواكب عديدة تابعة لأنظمة نجمية ثنائية بل ومتعددة، فكيف نشأت هذه الكواكب؟ هل هي كواكب شاردة التقتطها الجاذبية المشتركة للنجمين عندما مرت قريبة جداً منها؟

إلا أن علماء كانوا ينمذجون طبيعة القرص الكوكبي حول الأنظمة النجمية الثنائية طرحوا تفسيراً أفضل عام ٢٠٢١: وهو أن غازات القرص تعمل عمل الرياح. إذ يمكنها أن تقاوم وتبطء سرعة الجسيمات والكواكب الوليدة العالية في بعض المناطق بما يكفي لاندماجها وتكون كواكب أكبر.

وتفرض الجاذبية عائقاً آخر. فقد أشارت عمليات رصد الأقراص المتكونة حول النجوم الثنائية، أن هذه الأنظمة تجذب دورياً المزيد من المواد من القرص المحيط أكثر مما تجذبه النجوم المفردة.

وهذا يؤدي إلى حدوث انفجارات طاقية متكررة من هذه النجوم. الأمر الذي يسخن الغاز ويستمر في تشويه بنية القرص. ونتيجة لذلك تكون بعض المناطق الأكثر هدوءاً من القرص مناسبة لتراكم ونمو الكواكب العملاقة.

بل والأسوأ من ذلك أن عمليات التسخين المتكررة هذه للقرص في الأنظمة النجمية الثنائية قد تبخر جليد الماء والغبار على الكويكبات والشهب، وتغير التركيب الكيميائي لجزيئاتها العضوية. وهي المكونات الأساسية للحياة كما نعرفها.

ولما كان العلماء يعتقدون بأن الكويكبات والشهب، أحدهما أو كلاهما هو ما جاء بالماء والمواد العضوية إلى الأرض المبكرة. فهذا يذهب بأمل وجود الحياة على كواكب الأنظمة النجمية الثنائية تماماً بهذا النحو.

بارقة أمل

نشر العلماء بناء على نمذجات مناخية كثيرة عام ٢٠١٧، بأن كوكباً بحجم الأرض في المنطقة القابلة للحياة حول نظام نجمي ثنائي يمكنه الاحتفاظ بالماء لمدة طويلة. ويفترض بهذا أن يسهم في ظهور الحياة. وقد وجدوا بأن سحب بخار الماء في الأغلفة الجوية لمثل هذه الكواكب يمكنها أن تبقى وتنظم التغيرات الحرارية  الناتجة عن التأثير الثقالي المشترك للنجمين، حيث يؤرجحان الكوكب إلى داخل مدار دائري وإلى خارجه. ومنذ ذلك الوقت اكتشف العلماء آليات أخرى توسع المنطقة القابلة للحياة في مثل هذه الأنظمة.

كوكب في نظام نجمي ثنائي قد يدعم الحياة
تصور فني لكوكب شبيه بالأرض قرب نظام نجمي ثنائي. حقوق الصورة: NASA / JPL-Caltech

تمثل الأقمار طريقة أخرى. فقمر زحل إنسيلادوس يحتمل امتلاكه لمحيط تحت سطحه. وحدث ذلك بسبب الاحتكاك بين أجزاء من لبه، الأمر الناتج عن السحب الثقالي لزحل. ويمكن للأقمار التابعة لكواكب ضخمة في أنظمة نجمية ثنائية أن تمتلك الشروط نفسها، وذلك حتى لو لم تكن في المنطقة القابلة للحياة.

هل اقتربنا من إيجاد كوكب قابل للحياة؟

كل هذه الاحتمالات عن إيجاد كوكب قابل للحياة في نظام نجمي ثنائي يصبح أكثر إثارة، وذلك عندما نعرف بأن أقرب نظام نجمي للأرض وهو ألفا قنطورس يملك نجمين.

ولأن هذا النظام يبعد عنا ٤.٤ سنة ضوئية فحسب، يضيئ هذا النظام المؤلف من نجمين شبيهين بشمسنا بشدة، ويشاهدان في سماء الأرض الجنوبية. ويحاول العلماء منذ زمن طويل إيجاد كواكب حول النجمين، ولكن لا ينتمي أي من الكواكب البالغة ٥٠٠٠ مما اكتشفناه لهما.

إن قربنا من ثنائي ألفا قنطورس المشرق يعيق معرفتنا بكواكب محتملة حولهما. فأحدهما كما يريان من الأرض يقع بزاوية تجعل من ضوئه يشوش على البحث عن كواكب حول الآخر. والنبأ السار أن زيادة حساسية أدواتنا مع التباعد الكبير الكافي بين النجمين بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠٣٥ قد يساعد العلماءفي رصد أي كوكب كبير في هذا النظام.

إيجاد نقطة زرقاء باهتة أخرى غير الأرض

سيستخدم تلسكوب توليمان الفضائي الذي طورته جامعة سيدني ودعمته ناسا تكنلوجيا متقدمة. وهي التحديد الدقيق لمواقع النجوم ومسافاتها وحركاتها. وذلك لإيجاد  كواكب بحجم الأرض في نظام ألفا قنطورس. وسيطلق توليمان+ الأكثر حساسية لاحقاً لإيجاد كواكب صلبة حول أنظمة نجمية ثنائية أبعد.

وإذا وجدت المهمات الحالية للبحث عن الحياة في أقمار النظام الشمسي كإنسيلادوس وغيرها ضالتها، أي أوجدت دلائل على وجود حياة، فهذا سيعزز فكرة وجود حياة الأنظمة النجمية الثنائية.

وحالياً يمكن لتلسكوبي ألما وجيمس ويب رصد مواد كيميائية معقدة في أقراص الكواكب البدئية حول أنظمة نجمية ثنائية. وذلك لتحديد وفرتها ومناسبتها للحياة كما نعرفها. وستكون التلسكوبات المستقبلية قادرة على رصد جزيئات عضوية أكثر وأكبر. كما سترصد مواد كيميائية مسهمة في الحياة في الأغلفة الجوية للكواكب حول الأنظمة النجمية الثنائية.

ملخص المقال

النجوم المفردة كشمسنا ليست القاعدة الثابتة فهناك أنظمة نجمية ثنائية وثلاثية وغيرها. فهل يمكن أن تدعم كواكب نظام نجمي ثنائي الحياة؟

ومع الصعوبات الكثيرة أمام نشوء كواكب حول هذه الأنظمة، إلا أننا وجدنا بالفعل كواكب عديدة تابعة لأنظمة نجمية ثنائية بل ومتعددة.

وأقرب الأنظمة الثنائية إلينا نظام ألفا قنطورس. ولكن لا يمكننا الجزم بوجود كواكب حوله، أو إمكانية دعمها للحياة.
ولكن التلسكوبات الحالية بدأت تحاول. وستمكننا التكنلوجيا المستقبلية من الوصول إلى ذلك قريباً.

المصدر

هنا