هل يمكن لعاصفة شمسية قوية أن تمحي الإنترنت من الوجود؟

يعرف عن عواصف الفضاء أنها تسبب انقطاع الكهرباء وتشوش على وظيفة الأقمار الصناعية.

الوهج الشمسي
الوهج الشمسي. المواد عالية الحرارة باللون البرتقالي. حقوق الصورة: NASA/SDO

في الرواية القصيرة لبيكي تشامبرز عام ٢٠١٩ بعنوان «ستُعلّم، إن كنت محظوظاً»، تخرب عاصفة شمسية ضخمة الإنترنت في الأرض. فيتشرد مجموعة من الرواد في الفضاء دون أي وسيلة للاتصال بالأرض.

وبالطبع هذا احتمال مفزع، ويدفعنا للسؤال: هل يمكن فعلاً لعاصفة شمسية أن تمحي الإنترنت من الوجود؟ وإن كانت الإجابة نعم، فما احتمال حدوث ذلك؟

هل تخرب عاصفة شمسية الإنترنت؟

الإجابة نعم. يمكن أن يحدث ذلك، ولكن ذلك يحتاج عاصفة شمسية عملاقة. وهذا ليس مستحيلاً بالطبع. ولكن يرجح أكثر خروج شبكات الطاقة عن العمل، وقد حدث هذا قبلاً لكن على نطاق صغير.

فالعواصف الشمسية تحدث عندما تحرر الشمس دفعات كثيفة من الإشعاع الكهرومغناطيسي. وهذا الاضطراب يدفع موجات من الطاقة نحو الخارج. مؤثرة بذلك على الأجرام الأخرى في النظام الشمسي، بما فيها الأرض. وعندما تتداخل هذه الأمواج الكهرومغناطيسية المنفلتة مع حقل الأرض المغناطيسي فلها تأثيران.

تأثيرات تداخل الأمواج الكهرومغناطيسية الشمسية مع حقل الأرض المغناطيسي

التأثير الأول:

تسبب سريان تيارات كهربائية في الغلاف الجوي العلوي للأرض، فتسخن الهواء. تماماً كما تفعل حصيرة التدفئة. وهذه العواصف المغناطيسية الأرضية يمكن أن تشكل الشفق فوق المناطق القطبية. ويمكنها أن تسبب اضطراب إشارات الراديو ونظام تحديد المواقع.

وزد على ذلك أن الغلاف الجوي عندما يسخن، ينتفخ كالمارشميلو. مما يضيف المزيد من السحب على الأقمار الاصطناعية في المدارات الأرضية المنخفضة، وتخرج الكثير من قطع الخردة الفضائية عن مسارها.

التأثير الثاني:

يتعلق بالأرض أكثر. فبينما تتدفق تيارات كهربائية قوية في الغلاف الجوي العلوي للأرض، فإنها تثير تيارات قوية لتجري في قشرة الأرض أيضاً.
وهذه التيارات يمكنها أن تصطدم بالنواقل الكهربائية القابعة على القشرة الأرضية، كشبكات الطاقة الكهربائية، أي شبكات نقل وحمل الكهرباء من محطات التوليد إلى المباني والبيوت.

والنتيجة تكون انقطاعات كهرباء محلية يصعب إصلاحها. من أمثلتها الحدث الذي أصاب كيبك في ١٣ آذار ١٩٨٩، ونتج عنه تعتيم عام استمر ١٢ ساعة. ومؤخراً أتلف الوهج الشمسي ٤٠ قمراً من أقمار ستارلينك، عندما لم تتمكن سبيس إكس من معرفة توقعات العواصف الشمسية.

ومن حسن الحظ فإن خروج عدة أقمار ستارلينك ليس كافياً للعبث بالوصول للإنترنت العالمي. ولكي يخرج الإنترنت بكامله عن الخدمة، يجب أن تضرب العاصفة الشمسية الأكبال الضوئية الطويلة جداً والممتدة تحت المحيطات وتربط بين القارات.

وتوجد بين كل ٤٥ إلى ١٥٠ كم أجهزة تكرار إشارة على هذه الأكبال. وذلك لتقوية الإشارة وهي تنتقل عبر الكابلات. وفي حين أن هذه الأكبال منيعة أمام العواصف المغناطيسية الأرضية، فإن أجهزة تكرير الإشارة ليست كذلك. وإذا تعطل واحد من هذه الأجهزة، فمن شأن ذلك أن يخرج الكابل كله عن الخدمة. وإذا خرج عدد كافٍ من الكابلات عن الخدمة، فهذا قد يسبب خروج الإنترنت عن العمل كاملاً.

 

انقطاع الإنترنت عن العالم وتجنبه

سيكون انقطاع الإنترنت عن العالم بأسره كارثياً. فسيسبب الاضطراب في كل شيء بدءاً من سلاسل التزويد إلى الأنظمة الصحية وسوق البورصة، وليس انتهاءً بقدرة الأفراد على العمل والتواصل.

وهناك طرق قليلة لحماية الإنترنت من العاصفة الشمسية الضخمة القادمة. وأولها هو دعم شبكات الطاقة والأقمار الاصطناعية والكابلات الموجودة تحت المحيطات للحماية من زيادة الحمل عليها بسبب تدفق التيار. ومنها فواصل آمنة يخطط لها أن تفصل الشبكة الكهربائية أثناء العواصف الشمسية.

والطريقة الثانية الأقل تكلفة هي تحسين طرق التنبؤ بالعواصف الشمسية على المدى البعيد.

هل يمكننا التنبؤ بالعواصف الشمسية؟

يعرف عن العواصف الشمسية صعوبة التنبؤ بها. وذلك في جزء منه يعود للصعوبة الكبيرة في تحديدها بدقة. فبينما تحدث العواصف الشمسية منذ آلاف السنين، فإن التكنلوجيا التي تتأثر بها لدينا موجودة منذ عقود قليلة فحسب.

تمكننا التكنلوجيا الموجودة حالياً من التنبؤ بالعواصف الشمسية القادمة والتي ستضرب الأرض خلال يومين فقط. وذلك اعتماداً على نشاط البقع الشمسية والبقع السوداء على سطح الشمس، والتي تشير إلى مناطق نشاط بلازما مرتفع.

ولكن العلماء لا يستطيعون تتبع العواصف الشمسية بالطريقة التي يتتبعون فيها الأعاصير. إنما يتجهون إلى إشارات دالة أخرى، كموقع الشمس من دورتها الشمسية مثلاً.

وتعمل ناسا حالياً مع وكالة الفضاء الأوربية لجعل هذه التنبؤات ممكنة من خلال استخدام مجموعة من البيانات التاريخية ونتائج رصد حديثة.

دورة الشمس

تمتد دورة الشمس إلى ١١ عاماً بين نشاط منخفض ومرتفع. وستكون ذروة نشاطها القادمة، التي تعرف باسم الذروة الشمسية في عام ٢٠٢٥ تقريباً.

وعلى أي حال فإن آخر ذروة شمسية كانت معتدلة نسبياً. مما حدا بالعلماء للاعتقاد بأن شمسنا ربما تكون في فترة ممتدة من انخفاض النشاط.

فالشمس هادئة منذ التسعينيات، وآخر عاصفة مغناطيسية أرضية مسجلة تدعى حدث كارينغتون عام ١٨٥٩. شوهدت فيها أضواء الشفق حتى جنوب كوبا والهونولولو وهاواي. ولو وجد الإنترنت عندها، لكان تضرر بشدة على الأغلب.

ونأمل بأن يتمكن العلماء من إيجاد طريقة للتنبؤ بهذه العواصف المدمرة وذلك لتقليل خطرها إلى الحد الأدنى، قبل أن نجد نفسنا في مستقبل بلا إنترنت.

ملخص المقال

يعرف عن العواصف الشمسية أنها تسبب انقطاع الكهرباء وتشوش على وظيفة الأقمار الصناعية. ولكن هل يمكن لعاصفة شمسية قوية أن تمحي الإنترنت من الوجود؟

من تأثيرات تداخل الأمواج الكهرومغناطيسية الشمسية مع حقل الأرض المغناطيسي، إثارة تيارات قوية لتجري في قشرة الأرض. وهذه التيارات يمكنها أن تصطدم بأجهزة تكرار الإشارة وتقويتها. وهذه الأجهزة موجودة على الأكبال التي تؤمن ربط الإنترنت بين القارات تحت سطح المحيط. وعند تعطل عدة أجهزة وخروج عدد كافٍ من الأكبال عن الخدمة، فقد يسبب ذلك خروج الإنترنت حول العالم عن العمل. وسيكون أثره كارثياً. وهناك طرق قليلة لحماية الإنترنت من العاصفة الشمسية، وهي تأمين فواصل حماية، أو تحسين التنبؤ بالعواصف الشمسية قبل مدة كافية.

المصدر:

هنا